العقل فأجال الفكر ثمّ قال أرى السفينة لا تجري في البحر إلّا بالملّاحين
لأنّهم يعدّلونها على سيرها وأنّها تسلك اللجّة وتقطع البحر بمد
بمديريها الذين قد تفرّدوا بتقريتها ومتى شُحنت بالركّاب
الكثيرين وكثروا ملّاحيها أيضًا لم يُؤمن عليها من الغرق فلم
5 يزل يفكّر فيما يعمله في باب الكتاب الذي رسم له الملك به ووضعه
على الانفراد بنفسه مع رجل من تلامذته كان يثق بفضله
على غيره وابتدأ في وضع الكتاب وتصنيفه وتأليفه ولم يزل هو
وتلميذه يجهدا في ذلك الكتاب ويدأبا فيه حتّى استقرّ الكتاب
غاية الاتفاق والإحكام ورتّب أبوابه كلّ باب منها قائم بنفسه
10 وذاته مسألة وجواب ظاهره لهو للعامّة وباطنه حكمة تستـ
يستضيء بها عقول الخاصّة وبلاغة وأمثالًا على ألسنة
الحيوان من البهائم والسباع والطير وعرضه على الملك فأُعجب به
وفرح وسُرّ سرورًا زائدًا وأكرم الحكيم بيدبا إكرامًا بالغًا وخلع
عليه وعلى تلميذه خلع القبول والرضا وأمر بتدوين الكتاب
15 وأودعه في خزائن حكمته وأمر بالاحتفاظ عليه وأن لا يخرج
من بيت الحكمة وفاق بيدبا بذلك على سائر الحكماء والفلاسفة
واشتُهر أمره وشاع ذكره Im1 الباب الأوّل باب عبد الله ابن المقفّع
لهذا الكتاب ومدحه وما يتعلّق به Im3 قال عبد الله ابن المقفّع
رحمه الله تعالى هذا الكتاب الموسوم بكليلة ودمنة وهو من أجلّ
20 كتب الحكمة وأنفعها وأعجبها حكمة وأمثالًا لم يأت أحد في الدهر
بمثله يزيد ذا الفهم معرفة وعقلًا وحكمة وينبّه الغرّ الجاهل على
Image